السبت، 26 أبريل 2014
الحلم المُنتَظر !
تَحتَ سقْفِ منزِلٍ محدُودِ السِّقاءْ ، مُتهالِك البِناءْ ، يعِيشُ ذآكَ الفلاَّح مَعْ زوجتِهِ ، علىٰ بسَاطِ القنَاعَة ، ووثِيرِ الصَّبر ، بانتِظارِ مولودِهما الأوَّلْ ، متلحِّفِينَ بِرِداءِ الأمَل مِن برودَةِ أقدارِ الحيَاة ، ففِي كلَّ يوم كانَ الرَّجل يستيقِظُ مَعْ بزوغِ الشَّمس مودِّعاً الأمـس ، ونصبُ عينآهُ ذَاكَ الطِّفلُ الذي سيملأُ حياتَهُ فِي الغَد ، ويسانِدهُ وقتَ الحاجةِ والجَد ،ويُدخِلهُ إلىٰ عالمِ الأبوَّة . يعُودُ إلىٰ بيتِه بعدَ ثمانِ ساعَاتٍ مِنْ الكدِّ والعمَل المُحتَد ، فتنظرُ إليهِ زوجَتُه وقدْ تقَاطَر جبينُه عرقاً ، فتُشِيرُ إلىٰ ذاك الطِّفل الَّذِي يسكُن أحشائَها ، وگأنَّمَا تقُولْ صابِر لأجلِه . فيبتسِمْ وسُرعانَ مايشعُرْ بانجِلاءِ تعبِه ، وانقِضَاءِ همِّه . تَسِيرُ عجلَة الزَّمَنْ وأيَامُهمَا مُتشابِهة ، لآشيءَ جدِيد ، فالزوجُ مابينَ كادحٍ وعاجِز ، والزَّوجَة تُراقِب حرگة جنينَها التِي تُحرِّك فِي داخِلهَا مشاعِر الأمومَة . حتّى جاءَ اليَومُ المُنتظَر فبينَما گانَ الفلاَّحُ منهمِكٌ فِي عملِه ، أحسَّتْ الزَّوجَة بُقربِ موعِد انبِثاقُ طِفلِهمَا منْ بينِ أحشآئِها ، وبطبِيعَةِ حياتِها البسِيطة ، والوِحدَة التِي تُخالِجها ، حيثُ لآأهلْ لآأقارِب ولآحتَّىٰ جَار ، گانَ علىٰ الزَّوجَةِ أنْ تُقاسِي الآمَ المَخَاضِ وحدَهَا . أحسَّتْ بأنَّ گيانُها يكَادُ أنْ يودِّعَ جسدهَا ، حتَّىٰ سمِعَت صرخَةَ طِفلِها الأولىٰ التِي أسگتَت آهاتَها ، وأصخَبَتْ الدارَ بصوتِ يدوِي لِيخِيط جراحهَا ، انتَشَلتْ الطِّفلّ لِتسكِنَه بيـنَ أحضانِها ، وتُرضِعه منْ حليبِها حتَّىٰ يهدَأ ، وفِي تِلك اللَّحظاتْ دخلَ الزَّوجُ إلىٰ دارِه مُبتهِلاً منْ هولِ ما يرآه ، جذلاَنٌ بِما رزقهُ اللهُ وهَبَاه ، أخذَ الطِّفل بيـنَ أحضانِه وهو يُتمتِمُم سأُسمِيهِ "عَُدي". غيرَ أنَّ هذه الفرحَة لم تكتمِل ، ففي اليوم التالِي كانَ صُراخُ الطِّفلِ يدوِي في أنحاءِ الدَّار ، صرخَاتهُ غريبَة ، وگأنَّمَا يؤلِمُه شيءٌ ما ، هُناك بقعُ على جسدِه ! هٰكذا استرسَلتِ الأمُّ في فِي حديثِهَا لِتحرِّك في زوجِها مشآعِراً تهِيمُ بهِ فِي أنحاءِ القريةَ لِيجوبَها بحثَاً عنْ طبِيبْ . عزَم الأبُّ وشدَّ رِحالهُ ، واتفقَّ مع زوجتِه علىٰ أنْ يعودَ في نهايةِ هٰذا اليوم ، وحتَّىٰ إتيان موعِد نهَاية اليوم كانت الزَّوجة تعِيشُ صراعاً مابينَ صرخاتِ الطفل التي لآتهـدَأ ، وتلك الحِيرة التِي بالتَّساؤلات تبدأ ، وساعاتٌ تتبعُهَا سَاعات حتَّىٰ وصلَ الأب وبرفقتِه طبيبُ القريَة . ألقىٰ الطبيب علىٰ الطفل نظَرة وبدأ بالفَحص وحينَ انتهَىٰ نكَّسَ رأسَهُ ، والوالدانِ ينتظِرا حديثَهُ ، والقلقُ قد أودَىٰ بوميضِ الصَّبر الَّذِي يبدوان عليه رفعَ الطبِيبُ رأسَه قائلاً : تِلكَ البُقَع التِـي تُلِّمُّ بجسَدِ صغِيركُما لاتنُّمُّ إلا عن مرَضٍ مجهولِ السَّبب انتشَر مُؤخَّراً فِي بعضِ القُرىٰ أظنُّه لن يعيشَ طويلاً ، هٰكذا أنهىٰ الطبيبُ حديثه ، وهُنا انهَارت الأمُّ باكِية ، لٰكِن الأبْ كانَت ثِقتُه بالله أكبَر ، وبدأ يُهدأ من روعِ زوجته ويُخبِرهَا بأنَّ الآجَال بِيدِ الله . ومرَّتْ الأيامْ والطِّفلُ فِي حالةِ نموٍ طبيعيَّة يضحكُ ويمشِي ويُمارِس أموره الحياتيَّة كغيرِه مِن أبناءِ جيله ، باستِثناءَ زيادةِ فِي انتشار تلك البُقَع التي تدثِّر جسده . مرَّت السِّنين ، وقَد بلغَ عُدَي العاشِرَة مِن عمرِه. أصبحَ يُسانِد أباهُ ويتعلَّمُ مِنه الگثِير وفِي أحدِ الأيَامْ . تلقَّىٰ الأبْ خبرَ مرضِ أحد أصدقاءِه القُدامىٰ فِي أحدِ القرىٰ . وقَد ألحَّ عُدي على والده أن يأخذَه معه ، لكنَّ والِده رفَض وبرّر ذلك بأنَّه يخشَىٰ عَلَيْهِ من وحشة الطريق ، وأنَّ والِدتُه بحاجة إلى من يبقى معهَا ، وفِي الصَّباحْ كانَ الأبُ يُعدُّ أمتِعتِه استعدَادا للرحِيلْ . وعلىٰ غيرِ العادَة لم يَصحُو عُدي لِيودّع والده ومابرحَتْ والدتُه تُناديه ولم يلبي نداءها ، وهمَّت الزوجَة بإيقَاظهِ لٰكنَّ الزوج بادرَ قائلاً لآبأسَ يبدُو أنَّه غضبانَا أسِفا لعدَم مرافقتِه لي أبلغيهِ سلامِي ، وبدأ الأبُّ مسِيرَه ،وعادَ صديقَه فِي دارِه وحِينَ أنهىٰ مُبتغَاه ،وبعدَ مِضيِّ ثلاثَةِ أيام ، وصَلَ إلىٰ دارِه والشوقُ لفلذَةِ كبدِه وزوجته يملأُ گيانَه ، والابتِسامة تشقُّ وجنَتَيه وهوَ يصوِّر في خيالِه ابنَهُ عُدَي وهوَ يرحِّب بقدومِه . وماإنْ وطَئ عتبَةِ بابِ دارِه ،وإذا البيتُ خالٍ وكأنَّ الرَّدىٍٰ أودَىٰ بِمن يسكُنه . نادىٰ فِي جنبَاتِه وإذا بهِ يسمَعُ آهاتِ زوجَتِه دخلَ إلىٰ حجرتِه وجدَ زوجته فِي حالةٍ يُرثىٰ لها ، واسترسَل قائِلاً : أينَ عُدي ؟ صرخاتُ زوجتِه كانَتْ هي الإجابةُ التِي لاتُرجَىٰ ، والعاقِبةُ التِي لاتُحمَد . نزلَ الخبرُ علىٰ الزوجِ كالصَّاعِقة هالَهِ مايسمَع ، فقَد عرفَ من زوجتِه أنَّ ابنه قد مَات فِي صباحِ ذاكَ اليوم الذِي ارتحلَ فيهِ هو ، وأنَّهُ حين لم يلبِّي نداءَه كانّ الموتُ قدْ سلبَ روحَه ، وگأيِّ أبٍ يفقِدُ فلذَة كبِده انسگبَتْ دموعهُ ، وثَقُلَ حُزنُه ، حتَّىٰ أعجَزَهُ عنِ الوُقُوفْ ، صوتُ ابنِه ، لهوِهِ بيـنَ أحضانِه ، كلِماتهُ التِي لآتُّمَل ، وضحگاتهُ التِّي يضُجُّ بها الدَّارْ ، گيفَ لهُ أنْ ينسَىٰ كلَّ هٰذا ؟! بلْ كيفَ لهُ أن ينسَىٰ آخِرُ طلبٍ تمتَمَ بهِ ابنُه ولَمْ ينفِّذه ؟ آخِر مرَّةٍ غادرَ فيهَا وهوَ لمْ يحتَضِنه ؟ كانَ هٰذا الخبَر أشبهُ مايكُونْ بِحُلمٍ جمِيلْ أفَاقَتهُ منهُ مرَآرَةَ الوَّاقِع ، حتَّىٰ باتَ يخِيلُ لَه أنَّ عجلَة الحياة ستَتوقَّف علىٰ عقَبةِ وفاة ابنِه ، وليس ذاك بصحيح فقد خُلِق الإنسَانُ في كبد ، ويجِب علينا ألاَّ نتوقَفْ عن المسير ، وإنْ شُلَّتْ أقدامُنا نُكمِلُ حبواً ،وإنْ بُترَتْ زحفَاً .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق